قانون “الثواني الثمانية” لحراس المرمى.. ثورة جديدة في كرة القدم

في الدقيقة 89 من مباراة متوترة، يلتقط حارس المرمى الكرة بسهولة، ينهار أرضاً في مشهد مألوف، يمدد جسده، يضغط بيديه على الكرة وكأنها كنز لن يُفرّط فيه أبداً، ينظر إلى الحكم بطرف عينه… تمرّ الثواني. في المدرجات، الجماهير تبدأ في العد بصوتٍ مرتفع: “واحد… اثنان… ثلاثة…”. وفي لحظة، يصرخ الحكم: “ركلة ركنية!”..
لا، هذا ليس مشهداً من خيال كروي جامح، بل واقع جديد ستشهده ملاعب كرة القدم حول العالم اعتبارًا من موسم 2025/26، بعد أن قرّر مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم (IFAB) — الهيئة المسؤولة عن سن قوانين اللعبة — كسر واحدة من أكثر عادات اللعبة استفزازاً، والمتعلقةب إضاعة الوقت من قبل حراس المرمى لكسر إيقاع اللعب.
طوال سنوات، كان القانون يقول إن حارس المرمى لا يملك سوى ست ثوانٍ للاحتفاظ بالكرة. لكن الحقيقة؟ هذا البند ظلّ حبرًا على ورق. نادرًا ما شاهدنا حكمًا يعاقب حارسًا على تجاوزه. بل حتى الحكم الأسطوري بيرلويجي كولينا — الأصلع الذي لا يرحم — لم يسبق له أن احتسب ركلة حرة غير مباشرة ضد حارس طوال مسيرته.
اجتماع بلفاست يغير القانون
لكن الأمور تغيّرت، فخلال اجتماعه السنوي رقم 139 في عاصمة المجر بلفاست، أعلنت هيئة تشريع قوانين كرة القدم (IFAB) قانونًا جديدًا ينص على أن حارس المرمى سيُعطى ثماني ثوانٍ فقط للسيطرة على الكرة وتمريرها، وبعد انقضاء ثلاث ثوانٍ، يبدأ الحكم عدًّا تنازليًا مرئيًا لآخر خمس ثوانٍ. وإن تأخر الحارس؟ العقوبة هذه المرة ليست مجرد صافرة تحذيرية، بل ركلة ركنية فورية للفريق الخصم.

ولم يأت التعديل الجديد لم من فراغ، فقد خضع لاختبارات دقيقة في أكثر من 400 مباراة ضمن دوريات الشباب في إنجلترا، إيطاليا، ومالطا. النتائج كانت مفاجئة: في معظم الحالات، تجاوب الحراس بسرعة فور رؤية إشارة الحكم، وتم تنفيذ الإجراء التأديبي (احتساب ركنية) في أربع مباريات فقط.
يقول الحكم الإنجليزي السابق والمدير الفني للمجلس (IFAB)، ديفيد إليراي، إن هذا القانون “قد يكون من أنجح التعديلات، لأنه لا يفرض العقوبة فقط، بل يخلق رادعًا يجعل المخالفة تختفي من الأصل”، مضيفاً: “ما نريده هو تسريع وتيرة اللعب، وجعلها أكثر حيوية وإيجابية.”
حارس يُمسك الكرة 15 ثانية
في إحدى المباريات بين برايتون ومانشستر يونايتد، احتفظ حارس برايتون، جايسون ستيل، بالكرة في المتوسط لمدة 14.8 ثانية، بينما لم يتجاوز حارس اليونايتد، أندريه أونانا، 4.8 ثانية. هذه الفجوة الزمنية لم تكن استثناءً، بل تعكس أسلوبًا تكتيكيًا في إدارة الدقائق الحاسمة.

أما في الدوري الإنجليزي الممتاز، فقد ارتفعت البطاقات الصفراء الموجّهة لحراس المرمى بسبب إضاعة الوقت إلى 26 بطاقة هذا الموسم، مقابل 30 الموسم الماضي، ما يشير إلى تضييق الخناق على هذه الظاهرة.
الكرة في ملعب التطبيق
قد يظن البعض أن مجرد ثانيتين إضافيتين للحارس لا تستحق هذا الجدل، لكن في عالم تتحدد فيه نتائج المباريات بلحظة، قد تتحول هذه القاعدة إلى عنصر حاسم. قد تجعل الحراس يتخذون قرارات تحت الضغط، وتدفع الفرق المنافسة لفرض ضغط أعلى، وربما — في حالات نادرة — تُحتسب ركلة ركنية في الدقيقة الأخيرة، تغيّر مصير بطولة كاملة.

لكن، كما هي العادة، تبقى المسألة الأهم في التطبيق. هل سيتعامل الحكام مع القانون الجديد بصرامة؟ هل سيتسامحون في الثانية التاسعة كما كانوا يفعلون في السابعة؟ هل ستسود العدالة، أم تزداد الشكوك؟
قانون العد التنازلي لحراس المرمى قد يبدو بسيطًا، لكنه يحمل بين طياته فلسفة كاملة: لا وقت للهدر. في زمن تحوّل فيه كل تفصيل صغير إلى عنصر تكتيكي مدروس، لم تعد حتى لحظة “الراحة” لحارس المرمى تمرّ دون حساب.
مع بداية الموسم الجديد، ستبدأ تجربة غير مسبوقة. وحين تبدأ الجماهير في العدّ بصوت واحد — “واحد… اثنان… ثلاثة…” — سنعرف أن زمن “المماطلة الآمنة” قد انتهى.