فضائح تحكيمية

توم هينينغ قاتل تشيلسي.. صاحب أكبر فضيحة تحكيمية في تاريخ دوري أبطال أوروبا

احتل العديد من الحكّام في كرة القدم العناوين الرئيسية بسبب أخطاءهم الكارثية التي غيرت مجرى بطولات وأضاعت مجهود لاعبين عباقرة، وأدت إلى خسائر مالية فادحة لأندية أنفقت الغالي والنفيس من أجل التتويج، وهو ما دفع اتحاد تشريع قوانين كرة القدم IFAB لإدخال التكنولوجيا في اللعبة بشكل تدريجي لمنع تكرار تلك الأخطاء بدءاً من عام 2015.

في مساء السادس من مايو عام 2009، على أرضية ملعب ستامفورد بريدج في لندن، خرج حكم نرويجي من الظل إلى بؤرة الضوء – ثم إلى عين العاصفة، فكانت أخطاءه الفجة التي اقترفها ضد نادي تشيلسي الإنجليزي من بين الأسباب التي دفعت المسؤولين عن اللعبة للبدء في إدخال التكنولوجيا.

ذلك الرجل كان توم هينينع أوفريبو، صاحب أكبر فضيحة تحكيمية في التاريخ المعاصر لدوري أبطال أوروبا في إياب نصف النهائي؛ منذ تلك الليلة لم تعد مسيرة هينينغ التحكيمية كما كانت قبل أن وصوله إلى لندن لمساعدة برشلونة بكل الطرق الممكنة على بلوغ المباراة النهائية.

المباراة التي اكتظت باللاعبين المشاهير أمثال ديديه دروغبا ومايكل بالاك وإنييستا وميسي وتشافي، لم تُنسَ أبدًا — لا لجمالها، بل لما وصفه كثيرون بـ ”كارثة تحكيمية” لا تزال تدوي في ذاكرة كرة القدم.

من أوسلو إلى نخبة التحكيم الأوروبي

وُلد أوفريبو الشهير بـ “هينينغ” في 26 يونيو 1966 في العاصمة النرويجية أوسلو؛ بدأ مسيرته التحكيمية في الدوري النرويجي الممتاز عام 1992.

الحكم النرويجي توم هينينغ
الحكم النرويجي توم هينينغ

وسرعان ما صعد هينينغ سلّم النجاح بخطى ثابتة، لينال اعتماده كحكم دولي من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) عام 1994.

أدار هينينغ ما يقرب من 300 مباراة محلية، إضافة إلى نهائيين في كأس النرويج، ليصبح أحد أبرز الحكّام في بلاده، محرزًا جائزة “كنيكسن” خمس مرات.

مشاركته في كأس الأمم الأوروبية “يورو 2008” في سويسرا والنمسا، كانت شهادة أخرى على كفاءته، لكنه لم يَسلم من الجدل هناك أيضًا، إذ أقر لاحقًا بأنه ألغى هدفًا صحيحًا لإيطاليا ضد رومانيا، لكن كل تلك المحطات لم تكن سوى مقدمة لليلة غيّرت مجرى حياته إلى الأبد.

ستامفورد بريدج… حيث تسكن الأشباح

دخل تشيلسي لقاء الإياب في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا 2009 وهو متسلّح بتعادل سلبي من ملعب كامب نو، وسجل النجم الغاني مايكل إيسيان هدفًا مبكرًا بقذيفة رائعة منح بها الفريق الإنجليزي الأفضلية. لكن المباراة بعد ذلك تحولت إلى فوضى تحكيمية بقيادة هينينغ الذي أصر على ألا يحتسب أي شيء لصالح تشيلسي حتى يتمكن نادي برشلونة من العودة بهدف قاتل.

الحكم توم هينينغ يرفض احتساب ركلة جزاء واضحة لتشيلسي أمام برشلونة في أكبر فضيحة تحكيمية بدوري أبطال أوروبا 2009
الحكم توم هينينغ يرفض احتساب ركلة جزاء واضحة لتشيلسي أمام برشلونة في أكبر فضيحة تحكيمية بدوري أبطال أوروبا 2009

من دون أدنى مبالغة، رفض هينينغ احتساب ثلاث ركلات جزاء واضحة وضوح الشمس للاعبي تشيلسي – منها لمسات يد ضد جيرارد بيكيه وصامويل إيتو، وعرقلة شديدة الوضوح ضد الجناح الفرنسي فلوران مالودا، وهي قرارات أثارت غضبًا عارمًا من اللاعبين وفي مدرجات ملعب ستامفورد بريدج تحت أنظار المالك الروسي رومان أبراموفيتش الذي أنفق أكثر من مليار إسترليني في الفترة من 2003 إلى 2009 من أجل التتويج القاري.

في الدقيقة 93، جاء الهدف القاتل من أندريس إنييستا، ليتأهل برشلونة إلى النهائي، وتنفجر الأعصاب.

شجار دروغبا مع الحكم هينينغ بعد مباراة تشيلسي وبرشلونة في دوري أبطال أوروبا 2009
شجار دروغبا مع الحكم هينينغ بعد مباراة تشيلسي وبرشلونة في دوري أبطال أوروبا 2009

“إنها فضيحة! فضيحة حقيقية!”، صاح النجم الإيفواري ديديه دروجبا في الكاميرات، في مشهد لا يزال يُستشهد به عند الحديث عن الظلم التحكيمي في كرة القدم.

وفي عام 2020 خرج نجم غانا مايكل إيسيان للتحدث عن المباراة خلال مقابلة مع موقع جماهير ريال مدريد MadridistaReal قال خلالها “كانت مباراة صعبة التوقع لأننا كنا على مقربة من التأهل، لكن في نفس الوقت لا أحب التحدث عن تأثير الحكم على نتيجتها.

وأوضح “الحكم أحد العناصر الخارجة عن سيطرتنا كلاعبين، نحن لدينا وظيفة نقوم بها على أرض الملعب، ودائمًا ما نبذل قصارى جهدنا ونتوقع الشيء نفسه من الحكام، لكنك لا تستطيع التحكم في الحكام، لذا من الأفضل عدم التحدث عنه. الأمر كان مُدمرًا بالنسبة لنا في تشيلسي، لكن هذه هي كرة القدم وعليك أن تتحكم دائمًا في مشاعرك”.

حادثة مالودا – ألفيش

في الدقيقة 23، انطلق فلوران مالودا على الجهة اليسرى. اقترب منه داني ألفيش عندما وصل الجناح الفرنسي إلى نقطة تقاطع خط التماس مع منطقة الجزاء، حاول لاعب تشيلسي العودة بالكرة إلى الخلف ثم سقط عند الاحتكاك بالظهير البرازيلي.

صرخة بالاك الشهيرة في وجه الحكم هينينغ خلال مباراة تشيلسي وبرشلونة في دوري أبطال أوروبا 2009
صرخة بالاك الشهيرة في وجه الحكم هينينغ خلال مباراة تشيلسي وبرشلونة في دوري أبطال أوروبا 2009

أطلق الحكم أوفريبو صافرته محتسبًا خطأ، لكنه أشار إلى أن الخطأ وقع خارج منطقة الجزاء.

بالفعل ارتكب ألفيش خطأ على مالودا قبل دخول منطقة الجزاء بحوالي مترين. لكن لاعب البلوز حافظ على الكرة بعد الخطأ وتوغل بها داخل المنطقة.

في تلك اللحظة، قام ألفيش بما يفعله المدافعون منذ بداية اللعبة، حيث أدار جسده في اتجاه يعيق تقدم المهاجم لأقصى درجة ممكنة. لولا استخدامه لذراعه، لكان التدخل قانونيًا.

لكن المدافع البرازيلي حجز مالودا بذراعه أثناء الدوران. ورغم أن الجناح الفرنسي بالغ في السقوط بعد إدراكه أن الكرة ذاهبة إلى يايا توريه، إلا أن تشيلسي كان يستحق ركلة جزاء.

عبّر مالودا عن استيائه داخل الملعب وفي التصريحات الإعلامية، مؤكدًا أنه شعر بالظلم. وقد اعتبر عدد من المحللين هذه الحالة ركلة جزاء مستحقة لتشيلسي.

لمسة يد على جيرارد بيكيه

في الدقيقة 82، قام نيكولا أنيلكا بمراوغة ذكية كانت ستضعه في مواجهة فردية مع المرمى. لكن الكرة ارتطمت بيد جيرارد بيكيه اليمنى، وتمكن برشلونة من إبعادها.

لمسة يد جيرارد بيكيه في مباراة برشلونة وتشيلسي غير المحتسبة ركلة جزاء عام 2009
لمسة يد جيرارد بيكيه في مباراة برشلونة وتشيلسي غير المحتسبة ركلة جزاء عام 2009

لمسة يد بيكيه كانت أوضح ركلة جزاء في المباراة. أنيلكا كان في طريقه لتجاوز المدافع الإسباني والانفراد بفيكتور فالديس.

ذراع بيكيه كانت مرفوعة في وضع غير طبيعي، وهذا يُعد مخالفة واضحة، ولكن الحكم تجاهل الواقعة تمامًا ولم يحتسب ركلة جزاء في وسط دهشة المهاجم الفرنسي.

لمسة يد على صامويل إيتو – تسديدة بالاك

خلال اللحظات الأخيرة من الوقت بدل الضائع، وأثناء محاولة تشيلسي العودة، نفذ فرانك لامبارد ركلة ركنية، وصلت الكرة إلى مايكل بالاك الذي سددها على الطائر، لكنها ارتطمت بذراع صامويل إيتو اليسرى.

هينينغ يعاقب بالاك ببطاقة صفراء بعد اعتراضه على لمسة يد إيتو في مباراة تشيلسي وبرشلونة 2009
هينينغ يعاقب بالاك ببطاقة صفراء بعد اعتراضه على لمسة يد إيتو في مباراة تشيلسي وبرشلونة 2009

في بعض الحالات لا تحتسب لمسة اليد عندما تصطدم الكرة بذراع المدافع من مسافة قريبة. لكن إيتو رفع ذراعه اليسرى فوق رأسه بشكل واضح ليمنع الكرة من الوصول إلى المرمى.

لكن هينينغ أمر بمواصلة اللعب. وهو ما أدى إلى ركض بالاك خلف الحكم لمسافة تقارب 40 مترًا وهو يصرخ في وجهه، في احتجاج هستيري عبّر عن حجم الغضب والإحباط الذي شعر به لاعبو تشيلسي.

وبذلك، تجاهل الحكم ثلاث ركلات جزاء، اتفق محللون كثر على صحتها.

انفجار الغضب… ثم الاختفاء

لم تنته القصة عند الصافرة. فبعد المباراة، هرع لاعبو تشيلسي نحو توم هينينغ، وسط مشاهد فوضوية حاول المدرب الهولندي جوس هيدينك عبثًا تهدئتها.

انفجر دروجبا غاضبًا بعد نهاية المباراة، واقتحم أرض الملعب وهو يصرخ في وجه الحكم، ثم توجه إلى كاميرا البث المباشر وقال عبارته الشهيرة: “إنه أمر مخزٍ”، وتلقى لاحقًا عقوبة إيقاف أوروبية لست مباريات، تم تعليق تنفيذ اثنتين منها.

شجار دروغبا مع الحكم هينينغ بعد مباراة تشيلسي وبرشلونة في دوري أبطال أوروبا 2009
شجار دروغبا مع الحكم هينينغ بعد مباراة تشيلسي وبرشلونة في دوري أبطال أوروبا 2009

خلال الساعات التالية، تم إخراج أوفريبو من الملعب تحت حماية أمنية مشددة، ثم نُقل سرًا خارج بريطانيا بعد تلقيه تهديدات بالقتل، ونشر عنوان منزله على الإنترنت.

حتى بعد سنوات، لم تتوقف رسائل الكراهية. يقول هينينغ: “لا يزال بعض مشجعي تشيلسي يرسلون لي تهديدات عبر البريد الإلكتروني… نحو ثلاث أو أربع رسائل سنويًا.”

بعد سنوات من الترقب، اعترف أوفريبو بأخطائه في تلك المباراة قائلًا: “لم تكن ليلة جيدة في مسيرتي. ارتكبت أخطاء، وأنا لست فخورًا بذلك.”

ورغم ترشيحه لكأس العالم 2010، استُبعد من القائمة النهائية، في إشارة ضمنية إلى تراجع الثقة به. بعدها بأشهر، أعلن اعتزاله الدولي، قبل أن يعتزل تمامًا عام 2013، متأثرًا بإصابة في الركبة.

من المستطيل الأخضر إلى العقل البشري

لكن القصة لم تنتهِ بصافرة الوداع. أوفريبو، الحاصل على شهادة في علم النفس من جامعة أوسلو، اتجه إلى العمل في مجال الصحة النفسية، ليركّز على دعم الرياضيين تحت الضغط، ضمن “المدرسة العليا للرياضة” في النرويج واللجنة الأولمبية النرويجية.

توم هينينغ في تصريح شهير بعد 15 عاماً من مباراة تشيلسي وبرشلونة: تمنيت لو كان هناك فار عام 2009
توم هينينغ في تصريح شهير بعد 15 عاماً من مباراة تشيلسي وبرشلونة: تمنيت لو كان هناك فار عام 2009

اليوم، يدير عيادته الخاصة، ويُلقي محاضرات حول الضغط والتحكم في الذات. “أساعد اللاعبين على مواجهة التوتر… أعلم جيدًا ما تعنيه الضغوط، فقد مررت بها.”

ورغم مرور أكثر من 15 عامًا، لا يزال اسم أوفريبو مرتبطًا بتلك الليلة. بعضهم يراه “وصمة تحكيمية”، وآخرون يعتبرونه نموذجًا للإنسان الذي واجه العاصفة، ثم نهض ليبدأ من جديد.

أما هو، فينظر إلى الوراء دون مرارة، قائلاً بابتسامة: “كنت سأحب لو كان الـ VAR موجودًا وقتها!”. ثم يضيف: “من الأفضل أن تُنتقد على أن تُنسى. على الأقل، أصبحت جزءًا من التاريخ”.

أحمد حمدي

كاتب رياضي مصري ، عمل في موقع ميركاتو داي وإكسترا كورة في الفترة من 2019 إلى 2024، ويعمل حالياً في تأسيس موقع VARcheck.
زر الذهاب إلى الأعلى